وداد ابراهيم/ الاتحاد
ابو فارس، خليل الرفاعي، الفنان الشعبي او كما لقبه النقد عندنا (فنان الشعب).برحيله عن الساحة الفنية يوم 9/10/2006 يكون فن التمثيل في العراق قد خسر واحدا من مبدعيه ورواده بعد ان اعطى حياته كلها للفن خلال رحلة فنية بدأت في الثلاثينيات من القرن الماضي.. كان (الطبيب المزيف) اول عمل مسرحي له وهو في الثالثة عشر من عمره، لذا جاء مسرح المدرسة البداية الحقيقية لموهبة هذا المبدع الكبير وحين قدم مسرحية زقزوق كان بين الجمهور عبدالرزاق لطفي مدير اذاعة بغداد فطلبه مقدما لبرنامج فكاهات الصباح، ليدخل اروقة الاذاعة عام 1946 دون ان يكون رجلا اكاديميا بل كان رياضيا لمع اسمه في فرق كرة القدم فكتبت الصحافة العراقية حينها: خليل الرفاعي يترك الرياضة ويذهب الى الفن..
وكأن دخوله للاذاعة قد اطلق العنان لمواهبه، في التمثيل، وكتابة قفشات ضاحكة وسرد الحكايات الشعبية والتراثية بشكل ارتجالي لينفرد بالاذاعة بتلك الميزات ويختص بكتابة الموروث الشعبي وغيره وليحل ضيفا رمضانيا في الاذاعة بعد الافطار يحكي حكاية المحلة والزقاق وجلسات المقام في مقاهي بغداد، لذا كان دخوله الى التلفزيون حاجة حقيقية للدراما التلفزيونية خصوصا وان الشخصيات البغدادية كانت طاغية على الدراما التلفزيونية فدخل التلفزيون دون ان يكون له منافس او شبيه، ليوثق من خلال اعماله التمثيلية على التلفزيون الكثير من التقاليد والعادات في الحياة البغدادية بتلك الشخصية الكوميدية المحببة الممزوجة بالسذاجة والطيبة، قصر قامته وخطواته القصيرة وضعته في ادوار مسرحية نادرة على خشبة المسرح العراقي الشعبي وهذه الصفات ذاتها اعطته ملامح الشخصية المتفاعلة بايجابية مع الحدث فجسد شخصية صاحب المقهى او مختار المحلة دون ان يقلد احد سبقه في هذا الدور والغريب ان خليل الرفاعي الفنان الوحيد الذي اتخذ اسما اخر له (ابو فارس) يظهر فيه في الكثير من الاعمال واصبح هذا الاسم مألوفا لدى الجمهور دون ان يشعر المشاهد بانه يكرر اسمه.
ابو فارس محتال قارىء كف فتاح فال، هذه كانت ابرز الادوار المسرحية التي قدمها على المسرح لانه يمتلك قابلية الانتقال السريع بين مشهد واخر وله قدرة على تقمص الشخصية والتغلغل بين طياتها ليستطيع احتواءها.
لم يدرس خليل الرفاعي الفن ولم يحمل أي شهادة اكاديمية في المسرح او السينما الا انه اثار ضجة بين الاوساط المسرحية المصرية حين وقف على المسرح المصري في مسرحية البيك والسايق من تأليف صادق الصائغ واخراج ابراهيم جلال قدمت عام 1974 .
قدم الرفاعي اكثر من 81 عملا مسرحيا الا انه اتهم بعدم قدرته على تقديم الاعمال المسرحية باللغة الفصحى الا ان تاريخه المسرحي يؤكد بانه قدم باللغة الفصحى مسرحية الحصار، ومحاكمة الرجل الذي لم يحارب، والطوفان فاجاد فيها وله ايضا مسلسلات باللغة الفصحى مثل الفرج بعد الشدة وسلامتك وبجزأين.. كما شارك في مسلسلات تاريخية مثل ابن زيدون ومسلسل الاصفهاني وكعب ابن زهير وهي ايضا باللغة الفصحى.. فقد قدم (حسب ما ذكر لي) ما يقارب 680 عملا تلفزيونا بين مسلسل وتمثيلية وسهرة تلفزيونية وبرامج.
خليل الرفاعي كانت له بصمة في السينما العراقية فهو وقف بأدوار بعيدة كل البعد عن صورته البغدادية الشعبية وظهر بادوار تتلاءم مع صناعة السينما العراقية في ذلك الوقت فاول فيلم له كان (اسعد الايام( انتج عام 1963 سيناريو واخراج برهان الدين جاسم انتاج عارف الزبيدي والفيلم بعد ان انتهى تصويره حدثت مشاكل انتاجية منعت عرضه في دور العرض.. كما شارك في فيلم (درب الحب) الذي عرض على قاعة سينماالنصر عام 1966 سيناريو واخراج برهان الدين جاسم وقد شاركه في هذا الفيلم حشد من المطربات مثل مائدة نزهت، لميعة توفيق، حضيري ابو عزيز وغادة سالم الا ان السينما العراقية ظلت تتذكر دوره في فيلم الجابي الذي صور بكاميرا الفنان نهاد علي للمخرج جعفر علي وصورت احداثه داخل حافلة وقد حقق نجاحا جماهيريا كبيرا ليأتي فيلم (ليالي بغداد) اول فيلم للراحل خليل الرفاعي خلال السبعينيات 1975 والفيلم لم يعرف جماهيريا لاسباب انتاجية، علما ان هذا الفيلم يعد من الافلام الكوميدية التي تتحدث عن شخصيات عراقية بسيطة تقع في مشاكل ومواقف مضحكة وقد شاركه البطولة الكوميدي خليل النعيمي، ومن ابرز الافلام في حياة الراحل خليل الرفاعي فيلم الباحثون للمخرج محمد يوسف الجنابي عن قصة وسيناريو صباح عطوان، وعرض الفيلم في سينما بابل عام 1979 علما ان اخر افلام خليل الرفاعي هو فيلم (زمن الحب) الذي عرض عام 1991 في سينما المنصور لكارلو هارتيون مخرجا وصباح عطوان كاتبا ، وصور الفيلم بكاميرا صاحب حداد، هذا ما جاء في دليل الفيلم العراقي لعباس مهدي وما يؤكد مسيرة فنية زاخرة بادوار تنوعت بين اللون الكوميدي والتراجيدي مؤكدا انه فنان لم يدخل في دائرة الرتابة والتكرار وما جعل ادواره قليلة في السينما حيث ذكر لي في احدى لقاءاتي معه بانه شارك في تسعة افلام عراقية ذلك انه انشغل بالمسلسلات والبرامج التي تقدم بشكل يومي او اسبوعي والمسرحيات التي تعرض لاشهر وبشكل يومي، الا انه استطاع ان يساهم بشيء مما صنعته السينما في العراق وان كانت لم ترق الا ما قدمه في الدراما التلفزيونية .
حصل خليل الرفاعي على ما يقارب 12 شهادة تقديرية عن اعمال في التلفزيون والمسرح وحصل على جائزة افضل ممثل في مهرجان قرطاج عام 2001 عن مجمل اعماله الفنية، الا ان اخر عمل مسرحي له كان (مواسم الجفاف) لفاروق محمد كاتبا قدم على المسرح الوطني عام 2005 شاركه البطولة رائد محسن.
غاوي مشاكل، ابو البلاوي، سبع صنايع، اعمال تلفزيونية محور العمل شخصية خليل الرفاعي والصراعات الجانبية تدور حولها وقليلا ما يحدث في الدراما العراقية ان يكتب عمل فني لشخص ببطولة مطلقة الا ان هذا حدث مع خليل الرفاعي مثلما حدث مع يوسف العاني في بعض السهرات التلفزيونية.
يبقى الفنان خليل الرفاعي في اذهان الجمهور العراقي لانه كان ضيفا خفيفا حقيقيا في كل ما قدم من اعمال فنية ارتقت الى ذائقة المتفرج، دون ان يقع في فخ الاسفاف في الكوميديا المسرحية او فخ الرتابة والروتين في الدراما التلفزيونية بل كان مشهورا دون ان يسعى الى باب الشهرة وكان محبوبا دون ان يخطط لكسب حب الجمهور واعجابه.
(الاتحاد) ارتأت اخذ اراء جمهور الفنان خليل الرفاعي بمناسبة وفاته بدلا من اخذ اراء الفنانين التي قد تأتي شكلية وتقليدية.
السيدة ام رفعت قالت: هو الفنان الاكثر شهرة ولا تجد عراقيا اينما كان لا يعرف خليل الرفاعي، بل تعرفه اجيال الستينيات واحبته اجيال السبعينيات وضحكت معه اجيال الثمانييات والتسعينيات بالاخص عندما قدم مسلسل سبع صنايع وابو البلاوي عندما تلاحظه تجده حقيقيا وكأنه فعلا، المختار او صاحب المقهى ذلك لانه طبيعي، لكن اجد انه لم ينل الرعاية التي يستحقها في هذا العهد وقبله.
المواطن عبدالرحمن جبر عليوي قال: ابو فارس رمز للفنان الشعبي الذي عرض تراث الحكايات والقصص المحلية فلم يجد التلفزيون مثيله من يقدم هذا الفن ولا شهدنا أي فنان يقلده او يقدم هذه الشخصيات الشعبية مثل ما قام به ابو فارس
مع تحيات جرح العراق منتديات جرح العراق